فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا}.
و السقف ما علا، والحفظ هنا عام في الحفظ من الشياطين ومن الرمي وغير ذلك من الآفات، و{آياتها} كواكبها وأمطارها، والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك مما يشبه، وقرأت فرقة وهو عن آيتها بالإفراد الذي يراد به الجنس، والفلك الجسم الدائر دورة اليوم والليلة فالكل في ذلك سابح متصرف، وعن بعض المفسرين أن الكلام فيما هو الفلك فقال بعضهم كحديد الرحى، وقال بعضهم كالطاحونة، مما لا ينبغي التسور عليه، غير أنا نعرف أن الفلك جسم يستدير. و{يسبحون} معناه يتصرفون، وقالت فرقة الفلك موج مكفوف ورأوا قوله: {يسبحون} من السباحة وهو العوم.
{وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}.
قيل إن سبب هذه الآيةأن بعض المسلمين قال إن محمدًا لن يموت وإنما مخلد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكره ونزلت هذه الآية والمعنى لم نخلد أحدًا ولا أنت لا نخلدك وينبغي ان لا ينتقم أحد من المشركين عليك في هذا أهم مخلدون إن مت أنت فيصح لهم انتقام، وقيل إن سبب الآية أن كفار مكة طعنوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه بشر وأنه يأكل الطعام ويموت فكيف يصبح إرساله فنزلت الآية رادة عليهم، وألف الأستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط وقدمت في أول الجملة لأن الاستفهام له صدر الكلام والتقدير أفهم {الخالدون} إن مت، والفاء في قوله فإن عاطفة جملة على جملة، وقرأت فرقة مُت بضم الميم، وفرقة مِت بكسرها، وقوله: {كل نفس} عموم يراد به الخصوص، والمراد كل نفس مخلوقة، والذوق ها هنا مستعار، {ونبلوكم} معناه نختبركم وقدم الشر لأن الابتداء به أكثر ولأن العرب من عادتها أن تقدم الأقل والأردى فمنه قوله تعالى: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} [الكهف: 49] ومنه قوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} [فاطر: 32] فبدأ في تقسيم أُمة محمد بالظلم وقال الطبري عن ابن عباس أنه جعل {الخير} والشر هنا عامًا في الغنى والفقر والصحة والمرض والطاعة والمعصية والهدى والضلالة.
قال القاضي أبو محمد: إن المراد من {الخير} والشر هنا ما يصح أن يكون فتنة وابتلاء وذلك خير المال وشره وخير الدنيا في الحياة وشرها، وأما الهدى والضلال فغير داخل في هذا ولا الطاعة ولا المعصية لأن من هدى فليس نفس هداه اختبار بل قد تبين خبره، فعلى هذا ففي الخير والشر ما ليس فيه اختبار، كما يوجد أيضًا اختبار بالأوامر والنواهي، وليس بداخل في هذه الآية. و{فتنة} معناه امتحانًا وكشفًا، ثم أخبر عز وجل عن الرجعة إليه والقيام من القبور، وفي قوله: {وإلينا ترجعون} وعيد، وقرأت فرقة تُرجعون بضم التاء، وقرأت فرقة تَرجعون بفتحها، وقرأت فرقة يُرجعون بالياء مضمومة على الخروج من الخطاب إلى الغيبة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وجعلنا السماء سقفًا} أي: هي للأرض كالسقف.
وفي معنى {محفوظًا} قولان:
أحدهما: بالنجوم من الشياطين، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: محفوظًا من الوقوع إِلا باذن الله، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وهُمْ} يعني: كفار مكة {عن آياتها} أي: شمسها وقمرها ونجومها، قال الفراء: وقرأ مجاهد: {عن آيتها} فوحَّده، فجعل السماء بما فيها آية؛ وكلٌّ صوابٌ.
قوله تعالى: {كلٌّ} يعني: الطوالع {في فَلَك} قال ابن قتيبة: الفَلَك: مدار النجوم الذي يضمُّها، وسمَاه فَلَكًا، لاستدارته.
ومنه قيل: فَلْكَة المِغْزَل، وقد فَلكَ ثَدْيُ المرأة.
قال أبو سليمان: وقيل: إِن الفَلَك كهيئة الساقية من ماء مستديرة دون السماء وتحت الأرض، فالأرض وسطها، والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار يجرون في الفَلَك، وليس الفَلَك يُديرها.
ومعنى يَسْبَحون: يَجْرُون.
قال الفراء: لمَا كانت السِّباحة من أفعال الآدميين، ذُكِرَتْ بالنون، كقوله: {رأيتُهم لي ساجدين} [يوسف: 4]، لأن السجود من أفعال الآدميين.
قوله تعالى: {وما جعلنا لِبَشَرٍ مِنْ قبلك الخُلْدَ} سبب نزولها أن ناسًا قالوا: إِن محمدًا لا يموت، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
ومعنى الآية: ما خلَّدنا قبلكَ أحدًا من بني آدم؛ والخُلْد: البقاء الدائم.
{أفإن مِتَّ فَهُمُ الخالدون} يعني: مشركي مكة، لأنهم قالوا: {نتربَّص به ريب المنون} [الطور: 30].
قوله تعالى: {ونبلُوكم بالشرِّ والخير} قال ابن زيد: نختبركم بما تحبُّون لننظر كيف شكركم، وبما تكرهون لننظر كيف صبركم.
قوله تعالى: {وإِلينا يُرْجَعون} قرأ ابن عامر: {تَرجعون} بتاء مفتوحة.
وروى ابن عباس عن أبي عمرو: {يُرجعون} بياء مضمومة.
وقرأ الباقون بتاء مضمومة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} أي محفوظًا من أن يقع ويسقط على الأرض؛ دليله قوله تعالى: {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [الحج: 65].
وقيل: محفوظًا بالنجوم من الشياطين؛ قاله الفرّاء.
دليله قوله تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} [الحجر: 17].
وقيل: محفوظًا من الهدم والنقض، وعن أن يبلغه أحد بحيلة.
وقيل: محفوظًا فلا يحتاج إلى عماد.
وقال مجاهد: مرفوعًا.
وقيل: محفوظًا من الشرك والمعاصي.
{وَهُمْ} يعني الكفار {عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} قال مجاهد! يعني الشمس والقمر.
وأضاف الآيات إلى السماء لأنها مجعولة فيها، وقد أضاف الآيات إلى نفسه في مواضع، لأنه الفاعل لها.
بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها وسحابها، وما فيها من قدرة الله تعالى، إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعًا قادرًا واحدًا فيستحيل أن يكون له شريك.
قوله تعالى: {وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار} ذَكَّرهم نعمة أخرى: جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه لمعايشهم.
{والشمس والقمر} أي وجعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل؛ لتعلم الشهور والسنون والحساب، كما تقدم في سبحان بيانه.
{كُلٌّ} يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء.
قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {والسابحات سَبْحًا} [النازعات: 3] ويقال للفرس الذي يمد يده في الجري سابح.
وفيه من النحو أنه لم يقل: يسبحْن ولا تسبح؛ فمذهب سيبويه: أنه لما أخبر عنهنّ بفعل من يعقل وجعلهنّ في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بالواو والنون.
ونحوه قال الفرّاء، وقد تقدم هذا المعنى في يوسف.
وقال الكسائي: إنما قال: يسبحون لأنه رأس آية، كما قال الله تعالى: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} [القمر: 44] ولم يقل منتصرون.
وقيل: الجري للفلك فنسب إليها.
والأصح أن السيارة تجري في الفلك، وهي سبعة أفلاك دون السموات المطبقة، التي هي مجال الملائكة وأسباب الملكوت، فالقمر في الفلك الأدنى، ثُمَّ عُطَارِد، ثم الزُّهَرة، ثم الشمس، ثم المرِّيخ، ثم المُشْتَرِي، ثم زُحَل، والثامن فلك البروج، والتاسع الفلك الأعظم. والفلك واحد أفلاك النجوم.
قال أبو عمرو: ويجوز أن يجمع على فُعْلٍ مثل أَسَدٍ وأُسْد وخَشَبٍ وخُشْب. وأصل الكلمة من الدوران، ومنه فَلْكة المِغزل؛ لاستدارتها.
ومنه قيل: فَلَّك ثديُ المرأة تفليكًا، وتَفلَّك استدار.
وفي حديث ابن مسعود: تركت فرسي كأنه يدور في فلك.
كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم.
قال ابن زيد: الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر.
قال: وهي بين السماء والأرض.
وقال قتادة: الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء.
وقال مجاهد: الفلك كهيئة حديد الرحى وهو قطبها.
وقال الضحاك: فلكها مجراها وسرعة مسيرها.
وقيل: الفلك موج مكفوف ومجرى الشمس والقمر فيه؛ والله أعلم.
قوله تعالى: {وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد} أي دوام البقاء في الدنيا نزلت حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون.
وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوّته ويقولون: شاعر نتربص به ريب المنون، ولعله يموت كما مات شاعر بني فلان؛ فقال الله تعالى: قد مات الأنبياء من قبلك، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك.
{أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} أي أفهم؛ مثل قول الشاعر:
رَفَوْني وقالوا يا خُوَيلِدُ لا تُرَعْ ** فقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ

أي أهم! فهو استفهام إنكار.
وقال الفرّاء: جاء بالفاء ليدل على الشرط؛ لأنه جواب قولهم سيموت.
ويجوز أن يكون جيء بها؛ لأن التقدير فيها: أفهم الخالدون إن مت! قال الفرّاء: ويجوز حذف الفاء وإضمارها؛ لأن هم لا يتبين فيها الإعراب.
أي إن مت فهم يموتون أيضًا، فلا شماتة في الإماتة.
وقرئ {مِتَّ} و{مُتَّ} بكسر الميم وضمها لغتان.
قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت} تقدم في آل عمران {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} {فِتْنَةً} مصدر على غير اللفظ. أي نختبركم بالشدّة والرخاء والحلال والحرام، فننظر كيف شكركم وصبركم.
{وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} أي للجزاء بالأعمال. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا}.
وما رفع وسمك على شيء فهو سقف.
قال قتادة: حفظ من البلى والتغير على طول الدهر.
وقيل: حفظ من السقوط لإمساكه من غير علاقة ولا عماد.
وقيل: حفظ من الشرك والمعاصي.
وقال الفراء: حفظ من الشياطين بالرجوم.
وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى السماء فقال: «إن السماء سقف مرفوع وموج مكفوف يجري كما يجري السهم محفوظًا من الشياطين» وإذا صح هذا الحديث كان نصا في معنى الآية.
{وهم عن آياتها} أي عن ما وضع الله فيها من الأدلة والعبر بالشمس والقمر وسائر النيرات ومسايرها وطلوعها وغروبها على الحساب القويم والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة.
وقرأ الجمهور {عن آياتها} بالجمع.
وقرأ مجاهد وحميد عن آيتها بالإفراد، فيجوز أنه جعل الجعل أو السقف أو الخلق أي خلق السماء آية واحدة تحوي الآيات كلها، ويجوز أنه أراد بها الجمع فجعلها اسم الجنس، ودل على ذلك كثرة ما في السماء من الآيات.
والمعنى {وهم عن} الاعتبار بآياتها {معرضون} وقال الزمخشري: هم يتفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنياوية كالاستضاءة بقمريها والاهتداء بكواكبها وحياة الأرض والحيوان بأمطارها {وهم عن} كونها آية بينة على الخالق {معرضون}.
والتنوين في {كلٌّ} عوض من المضاف إليه، والفلك الجسم الدائر دورة اليوم والليلة.
وعن ابن عباس والسدّي: الفلك السماء.
وقال أكثر المفسرين: الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر.
وقال قتادة: الفلك استدارة بين السماء والأرض يدور بالنجوم مع ثبوت السماء.
وقيل: الفلك القطب الذي تدور عليه النجوم وهو قطب الشمال.